تاريخ عيد الام
قَدْ يَظُنُّ ٱلْبَعْضُ أَنَّ عيدَ ٱلْأُمِّ حَديثُ ٱلْعَهْدِ، مِثْلَ عيدِ غَرْسِ ٱلشَّجَرَةِ أَوْ عيدِ ٱلْعُمّالِ،
أَوْ أَنَّهُ عيدٌ أَوْجَدَەُ ٱلتُّجّارُ لِبَيْعِ ٱلتُّحَفِ وَٱلْهَدايا.
أَمّا ٱلصَّحيحُ فَهُوَ أَنَّ ٱلِاحْتِفالَ بِهذا ٱلْعيدِ بَدَأَ في عَهْدِ ٱلْيونانِيّينَ ٱلْقُدَماءِ قَبْلَ مِئاتِ
5 ٱلسّنين. وَكانَتْ هَذِهِ ٱلِاحْتِفالاتُ تَجري عَلى شَرَفِ واحِدَةٍ مِنْ آلِهَتِهِم هِيَ ٱلْإلَِهَةُ
ٱلْأُمُّ «ريا».
كَما كانَ ٱلرّومانِيّونَ يَحْتَفِلونَ بِهذا ٱلْعيدِ مُنْذُ عامِ 250 ق.م، وَكانَتْ تَسْتَمِرُّ عِنْدَهُمْ
ثَلاثَةَ أَيّامٍ مِنْ 15 إِلى 18 آذار. وَفي إِنْجِلْترا في ٱلْقرونِ ٱلْوُسْطى، كانَتِ ٱلِاحْتِفالاتُ بِـ
«أَحَدِ ٱلْأُمَّهاتِ» تَجري في ٱلْكَنيسَةِ. وَمُنْذُ ٱلْعامِ 1600م، بَدَأَ ٱلشَّبابُ وَٱلشّاباتُ في
10 زِيارَةِ أُمَّهاتِهِمْ في هَذا ٱلْيَوْمِ، مُحَمَّلينَ بِٱلْهَدايا وَٱلْمَأكولاتِ.
أَمّا في ٱلْوِلاياتِ ٱلْمُتَّحِدَةِ ٱلْأَمْريكِيَّةِ فَقَدْ كانَتْ آنا جارْفِس (1864-1948م)، هِيَ
صاحِبَةُ فِكْرَةِ جَعْلِ يَوْمِ عيدِ ٱلْأُمِّ إِجازَةً رَسْمِيَّةً، فَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَتَزَوَّجْ قَطُّ، وَلَمْ تَكُنْ
أُمًّا، إِلّا أَنَّها كانَتْ شَديدَةَ ٱلِارْتِباطِ بِوالِدَتِها. وَبَعْدَ مَوْتِ والِدَتِها بِسَنَتَيْن بَدَأَتْ حَمْلَةً
واسِعَةً شَمَلَتْ رِجالَ ٱلْأَعْمالِ وَٱلْوُزَراءَ وَرِجالَ ٱلْكونْغرِس، لِإعْلانِ يَومِ عيدِ ٱلْأُمِّ عُطْلَةً
15 رَسْمِيَّةً في ٱلْبِلادِ، وَكانَ لَدَيْها شُعورٌ أَنَّ ٱلْأَطفالَ لا يُقَدِّرونَ ما تَفْعَلُهُ ٱلْأُمَّهاتُ خِلالَ
حَياتِهِم. وَكانَتْ تَأْمُلُ أَنْ يَزيدَ هَذا ٱلْيَومُ مِن ِإحساسِ ٱلْأَطْفالِ وَٱلْأَبْناءِ بِٱلْأُمَّهاتِ
وَٱلآباءِ، وَيُقَوّي ٱلرَّوابِطَ ٱلْعائِلِيَّةَ ٱلْمَفْقودَةَ.
وَتَحْتَفِلُ ٱلْيَوْمَ ٱلْكَثيرُ مِنَ ٱلدُّوَلِ وَٱلْأُمَمِ بِعيدِ ٱلْأُمِّ، وَإِنْ كانَ تاريخُ ٱلْعيدِ يَخْتَلِفُ
مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ.
20 ويُعْتَبَرُ عيدُ ٱلْأُمِّ مُناسَبَةً لِتَبْجيلِ ٱلْأُمِّ وَتَقْديمِ ٱلشُّكْرِ لَها، عَلى ٱلْخَدَماتِ ٱلْجَليلَةِ
ٱلَّتي تُقَدِّمُها لِأَبْنائِها، وَبِٱلتّالي لِلْإِنْسانِيَّةِ بِرُمَّتِها.
أَمّا في ٱلْعالَمِ ٱلْعَرَبِيِّ فَقَدْ بَدَأَتْ فِكْرَةُ ٱلِاحْتِفالِ بِعيدِ ٱلْأُمِّ في مِصرَ، عَلى يَدِ ٱلْأَخَوَيْنِ
«مُصْطَفى وَعَلي أَمين»، مُؤَسِّسَيِ دارِ أَخْبارِ ٱلْيَوْمِ ٱلصَّحَفِيَّةِ، فَقَدْ وَرَدَتْ إِلى عَلي
أَمين رِسالَةٌ مِنْ أُمٍّ تَشْكو لَهُ جَفاءَ أَوْلادِها وَسوءَ مُعامَلَتِهِمْ لَها، وَتَتَأَلَّمُ مِنْ
25 نُكْرانِهِم لِلْجَميلِ..
وَتَصادَفَ أَنْ زارَتْ أمٌّ أُخْرى مُصْطَفى أَمين في مَكْتَبِهِ، وَحَكَتْ لَهُ قِصَّتَها ٱلَّتي تَتَلَخَّصُ
في أَنَّها تَرَمَّلَتْ وَأَولادُها صِغارٌ، فَلَمْ تَتَزَوَّجْ، وَأَوْقَفَتْ حَياتَها عَلى أَوْلادِها، تَقومُ بِدَوْرِ
ٱلْأَبِ وَٱلْأُمِّ، وَظَلَّتْ تَرعاهُمْ، حَتّى تَخَرَّجوا مِنَ ٱلْجامِعَةِ، وَتَزَوَّجوا، وَاسْتَقَلَّ كُلٌّ مِنْهُم
بِحَياتِهِ، وَلَمْ يَعودوا يَزورونَها إلّا على فَتَراتٍ مُتَباعِدَةٍ لِلْغايَةِ.
30 فَكَتَبَ الِاثْنانِ في «عَمودِهِما» ٱلشَّهيرِ في ٱلْجَريدَةِ «فِكْرَة»، يَقْتَرِحانِ فيها تَخْصيصَ
يَومٍ لِلْأُمِّ يَكونُ بِمَثابَةِ تَذْكيرٍ بِفَضْلِها، وَأَشارا إِلى أَنَّ ٱلْغَرْبَ يَفْعَلونَ ذلِكَ، وَإِلى أَنَّ
ٱلْإِسْلامَ يَحُضُّ عَلى ٱلِاهْتِمامِ بِٱلْأُمِّ، فَٱنْهالَتْ خِطاباتُ ٱلتَّشْجيعِ.
وَشارَكَ ٱلْقُرّاءُ في اخْتِيارِ يَومِ 21 آذار لِيَكونَ عيدًا لِلْأُمِّ، وَهُوَ أَوَّلُ أَيّامِ فَصْلِ ٱلرَّبيعِ،
وَيَكونُ رَمْزًا لِلتَّفَتُّحِ وَٱلصَّفاءِ وَٱلْمَشاعِرِ ٱلْجَميلَةِ ... وَاحْتَفَلَتْ مِصْرُ بِأَوَّلِ عيدِ أُمٍّ في 21
35 آذار سَنَةَ 1956م ... وَمِنْ مِصْرَ خَرَجَتِ ٱلْفِكْرَةُ إِلى ٱلْبِلادِ ٱلْعَرَبِيَّةِ ٱلأُخْرى ...
وَقَدِ ٱقْتَرَحَ ٱلْبَعْضُ تَسْمِيَةَ عيدِ ٱلْأُمِّ بِعيدِ ٱلْأُسْرَةِ، لِيَكونَ تَكْريمًا لِلْأَبِ أَيْضًا. لكِنَّ هَذهِ
ٱلْفِكْرَةَ لَمْ تَلقَ قُبولًا كَبيرًا، وَاعْتَبَرَ ٱلنّاسُ ذَلِكَ انْتِقاصًا مِنْ حَقِّ ٱلْأُمِّ، أَوْ أَنَّ أَصْحابَ
فِكْرَةِ عيدِ ٱلْأُسْرَةِ «يَسْتَكْثِرونَ» عَلى ٱلْأُمِّ يَومًا يُخَصَّصُ لَها ...
وَحَتّى ٱلْآن تَحْتَفِلُ ٱلْبِلادُ ٱلْعَرَبِيَّةُ بِهذا ٱلْيَومِ مِنْ خِلالِ أَجْهِزَةِ ٱلْإِعْلامِ ٱلْمُخْتَلِفَةِ ...
40 وَيَتِمُّ تَكْريمُ ٱلْأُمَّهاتِ ٱلْمِثالِيّاتِ ٱللَّواتي عِشْنَ قِصَصَ كِفاحٍ عَظيمَةً مِنْ أَجْلِ أَبْنائِهِنَّ
في كُلِّ صَعيدٍ.
رابط المهمة